المنتديات الملوك العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتديات الملوك العرب

اهلا وسهلا بكم في منتديات ابداع تايمزhhttp://ibda2times.eb2a.com/f
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 خيط ماء..

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
gone2007
المدير والمؤسس المنتدى
gone2007


عدد الرسائل : 538
العمر : 34
تاريخ التسجيل : 28/03/2008

خيط ماء.. Empty
مُساهمةموضوع: خيط ماء..   خيط ماء.. Icon_minitimeالخميس مايو 08, 2008 5:03 pm


خيط ماء.. Icon
خيط ماء.. Q82_27

خيط
ماء..


خيط ماء.. Q82_27




تناثرت قطرات المطر على الرصيف, ثم أخذت تتجمع في شكل جدول
ماء صغير اختلط بشوائب القمامة المتناثرة بفعل الرياح الضاربة, ثم راح
يجوب جانب الطريق في هدوء لا يقطعه غير مرور السيارات المسرعة. قبل أن يختفي داخل
فجوة الصرف الصحي بما حمل من غنائم, لتبتلعهم ظلمة النفق الصغير بعد رحلة سعيدة بين
أحضان الأنوار الخافتة.


بيد
أن خيط جدول الماء الصغير لم ينقطع حثيثه المتواصل نحو المجهول المظلم, فالسماء
مازالت حبلى بالخير العميم, ترسل العون والمدد لهذا الجريء في سبيل إكمال الدرب
الطويل, درب يحمل في طياته الغموض المثير.


تثاءبت في جلستي متكاسلا أنتظر الحافلة التي يبدو
أنها لن تأتي أبدا, كانت قد مرت ساعتين و أنا وحدي أراقب الطريق الموحش, مستأنسا
برسول السماء الخَيِّر, ورحلته الأزلية نحو
المجهول.


أنظر
إلى السماء علِّي أرى ما يشدني ويذهب عني كآبتي, غير أني لا أرى سوى غيوما تكدست
فوق بعضها, تخترقها في خجل أشعة الشمس الحائرة بين سطوة الغيوم الجامحة و هبوب
الرياح العاتية.


قبل
أن تنسحب في صمت وقهر مريرين, ليعم الفضاء عتمة كئيبة, تشد أطياف الخيالات الرمادية
وتنفخ فيها سم الهواجس السوداء, فيتلقفها العقل المحموم من لوعة الماضي وعذابه,
ويبحرا معا في لجة مضطرمة أمواجها, مظلم قعرها, وعاتية
رياحها.


هكذا
وجدت نفسي فجأة أصارع الأمواج المتلاطمة, أنشد قشة تحملني إلى بر الأمان. ولكن
هيهات, فالأفق دامس مظلم لا ينبئ بالفرج, وأطرافي تخور قواها و ظلام القعر يستعجل
اللقاء القريب.


والأمل أضحى نقطة باهتة في التيه, لا تلحظه الأعين المذعورة
المصارعة لنجاتها من مخالب دوامة الحيرة والغموض. فاستسلمت لمقادير القدر الطاغي,
وابتلعني الظلام ناحية المجهول. فتبدت صور معلقة تدور حولي في الفراغ, تشدها قوى
خفية تزيد من عجزي وغمي. أرى وجوها كانت البارحة شخوصا تحكي فصول قصة بطلها
أنا. قصة تركت في القلب جروحا غائرة لم تندمل, فهاهي تنزف مجددا وعلى حين
غرة.


تنزف
دما أحمر قاني, دم يغرقني في شجنه, ويعيدني الى حيث انغرزت الطعنة. طعنة نجلاء
اخترقت ظهري لتمزق نياط قلبي.


حاولت
المقاومة, أن أعيد وعيي لعقلي الثمل, بيد أن أمواج اللُّجة المضطرمة مافتئت تبتلعني
في عنف, لتنثر مقاومتي الضعيفة هباءا يتلقفه القعر الموحش في نهم ولذة. فتغمرني
الصور المعلقة من جديد. غير أن هذه المرة, كانت صورا تحمل وجها واحدا. وجه طغت عليه
القسوة رغم حسنه الباهر. فيشتد ألمي وتزداد لوعتي, ومشهد الخيانة يتراءى في وضوح
كما البارحة. ثم الوجوه الشامتة تطل علي في همس ساخر, يظهر هذا ويختفي ذاك, فاستحال
الفراغ مهرجانا من الأقنعة الماجنة, تخفي وحوشا ضارية, تنهش لحمي في قسوة أمام ضعفي
وهواني. أقنعة ألفت مذاق دمي, وصار خمرا يثمل عقولهم
الضحلة.


فنظرت
الى قلبي الذي صار باهتا يخفق في ضعف لافظا ما تبقى من دم ساخن, وقد استحال وحلا
أحاط بي مُكَبِّلاً خطاي, فصِرْت أَسِيراً لا أُحرِّك
خطوة.


فرفعت
بصري الى السماء السوداء , أحاول سبر أغوارها المخيفة, ولسان يشتهي الرحمة
والخلاص.


فحدثت
المعجزة, شعاع غامر يخترق العتمة, ويبدد ظلامها الموحش, وينتشلني من براثن الهواجس
المريعة.


فاستحال الدم نهرا عذبا, والأقنعة ورودا بلا أشواك تناثرت فوق
مرج أخضر واسع. ونسمة عليلة تغمر الجنة الوليدة. نسمة هبت مع الشعاع الصافي, نسمة
شقت صدري في هدوء ومسحت جروح فؤادي المثخن. فانقطع النزيف وامتلأ نشوة
وحيوية.


أحسست
بالولادة الجديدة, بعد مخاض عسير بين عنق
الزجاجة.


شممت
العبير الطاغي, وأغمضت عيناي في محاولة للخروج الأخير من تَيْه الفراغ وأشباحه. ثم
نظرت الى حالي. ها أنا لازلت أجلس على الكرسي منتظرا الحافلة المتأخرة, والسماء قد
فترت ثورتها. والشمس لاحت بعد طول صراع مرير. ثم انتبهت الى الشخص الذي بجانبي,
كانت شابة في عمر الزهرة, يفوح منها عبير فواح يطفو بالنفس بعيدا الى حيث الجِنَان
الغَنَّاء. نَظَرَت إِلَيَّ في تردد
وقالت:


-
صباح الخير..لم أشأ مقاطعتك حين كنت ساهما..ولكن..متى ستأتي
الحافلة..


ظللت
أنظر إليها في صمت برهة وقلبي يخفق في شدة ثم
قلت:


- لا
أدري..ولكنها باتت قريبة جدا
للوصول..


أومأت
برأسها متشكرة, وغاصت أعينها في أقدامها خجلا, فيما رُحت أتأملها في فضول,
قبل أن يلوح شبح الحافلة قادم عند أول الشارع. ساعتها نهضتُ و الفتاة معاً, نظرت
إلى الساعة وقد تجاوزت ثلاث ساعات ونيف. تركتها تتقدمني في نوع من الاحترام, ثم
تبعتها وجلست بجانبها على المقعد المجاور, ورحت أستميلها للحديث. فوجدتها وقد
انغمست معي في سلاسة أفرحت فؤادي التَّعِب, فلاحت مني التفاتة أخيرة ناحية
الرَّصيف, حيث خيط الجدول الصغير لازال يحثُّ سيره الطويل جهة النفق المظلم, وقد
بدأ يصغر شيئا فشيئا بعد أن انقطع المدد. بيد أنه ظل على نهجه, وفيا لطبعه الجريء,
الذي لم تَهِنْهُ عتمة المجهول عن مواصلة دربه الطويل.










الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3arab-ahlamontada.own0.com
 
خيط ماء..
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتديات الملوك العرب :: اقسام الشعر والاداب :: القصص القصيرة-
انتقل الى: